اعرف رسولك أيها المؤمن
%%%%%%%
الحمد لله الذي منّ علينا بمنة الإسلام وهدانا بإرشاد وهدي خير الأنام ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام ، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا رسول الله نور الأنوار وبدر التمام صلى الله عليه وعلى آله الكرام وأصحابه الأعلام وسلم تسليما .أما بعد .. إن خير ما شغلت به النفوس واستنارت به العقول وبذلت فيه الأوقات والساعات هو دراسة السيرة النبوية العطرة والتعمق في تلك الأحداث المحمدية العظيمة والمواقف الكريمة فهي تجعل المحب الصادق لرسول الله r كأنه يعيش تلك الأحداث العظام التي مرت بسيدنا محمد r وأصحابه الكرام .وفيها يتعرف المؤمن على جوانب كثيرة من شخصية الحبيب r وأخلاقه وشمائله في حياته ومعيشته ودعوته في السلم والحرب وفي الشدة والرخاء ، ورسولنا الكريم r هو القدوة الحسنة في أقواله وأفعاله وأحواله قال تعالى: ) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةً حَسَنَةً لمنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً( الأحزاب آية 21والاقتداء برسول الله r واجب في الأقوال والأفعال سعادة المؤمن في الدنيا وكرامته في الآخرة تتحقق باقتدائه برسول الله r ولا تكون الأسوة إلا بعد معرفة رسول الله r المعرفة الحقة الشاملة الكاملة البينة الواضحة في كل ما يتعلق به r ولقد كتب العلماء الأجلاء في صحاح كتب السنة والسيرة كل شاردة وواردة عنه r ففي كتاب ( الشفا ) للقاضي عياض و ( دلائل النبوة ) للبيهقي و ( الشمائل المحمدية ) للترمذي و ( المواهب اللدنية ) للقسطلاني و ( الخصائص الكبرى) للسيوطي و( سيرة ابن هشام ) و ( سيرة ابن إسحاق ) و (محمد رسول الله) لمحمد رضا و ( جواهر البحار في فضائل النبي المختارr ) للنبهاني وغيرها من كتب السنة و السيرة أنوار ساطعة وأضواء لامعة تبرز للمؤمن جوانب العظمة ومواطن الأسوة والقدوة في شخصيته rوهذه السطور عبارة عن رؤوس أقلام ولمحات يسيرة عن سيرة سيدنا محمد r القصد منها فتح الطريق أمام ناشئة المؤمنين لدراسات أعمق لهذه السيرة النبوية الخالدة . وأقسم لــــو أن البـــــحار جميعــهـا مدادً وأشجـــــــــــار الأرضــــين أقـلام لما سطرت من وصفكم ربع عشره وكيف يحيط النجم عدّّّّّّّ وإلهام النور المحمدي r:قال تعالى ) قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ( المائدة 15 فقد قال كثير من العلماء أن المراد بالنور هو سيدنا محمد r كذا في تفسير الطبري والجلالين والقرطبي وغيرهم .وقال رسول الله r :( كنت نورا بين يدي ربي قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام ) رواه ابن القطان نسبه الشريف r :هو سيدنا محمد r بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم ابن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ويرتفع نسبه الشريف إلى الخليل إبراهيم u .اعلم أيها المؤمن أن نبينا الكريم r هو المصطفى من الخلق كلهم فقد صان الله آباءه من زلة الزنا فولد r مــن نكاح صحيح ولم يولد من سفاح ، قال r :( لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة ) ، وقال r :( خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء ) أخرجه الطبراني
تنقل أحمد نورا عظيمًـــا تلألأ في جباه الساجدينــــــــا
تقلب فيهم قرنًا فقرنًـــا إلى أن جاء خير المـرسلينـا
ولادته r : ولد r يوم الاثنين ثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل وهذا هو المشهور عند جمهور العلماء .وقال علماء السير : أن الحبيب r ولد يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين وخرج مهاجرًا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين ورفع الحجر يوم الاثنين وتوفي r يوم الاثنين .وليلة مولده r وقعت عجائب وغرائب فمنها انتكاس الأصنام وسقوطها من أماكنها ، ومنها اضطراب إيوان كسرى وسقوط الشرفات وخمود النيران ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، وغاضت بحيرة ساوة ، و لما حملت به r أمه السيدة آمنة قالت : ما وجدت له ثقلا فلما ظهر خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب .وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان من دلالة حمل آمنة برسول الله r أن كل دابة لقريش نطقت تلك الليلة وقالت حُمِلَ برسول الله r ورب الكعبة وهو إمام الدنيا وسراج أهلها ، ولم يبقَ سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسًا ، وفرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات ، وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضًا ، وله في كل شهر من شهور حمله r نداء في الأرض ونداء في السماء أن أبشروا فقد آن أن يظهر أبو القاسم r ميمونًا مباركًا . أعظــــم به يومًا تكامل يمنـــه شرفت بمطلع شمسه الأيــــام يومٌ به ولــــــد النبي محــمـــد نورًا أتى والكائنات ظــــــلام بشرية سيدنا محمد r : ومن المعروف أنه r " بشر " وما يجول في خلد مؤمن قط أن يخرجه عن البشرية ولكنه r بشر يوحى إليـــــــه وما يتأتى قط أن يوحي الله تعالى إلى بشر إلا إذا أصبح وكأنه قطعة من نور ، صفاء نفس وطهارة قلب وتزكية روح فهو r بشر لا كالبشر .
فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله
لآية الكريمة ) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ( الكهف آية 110
يقف عند كلمة ) بَشَرٌ( فيحاول التركيز عليها وتوجيه الانتباه كله إليها فيتحدث عن خصائص البشرية العادية ويبرزها وينسبها إليه r ويندفع في الاتجاه المنحرف اندفاعًا لا يتناسب قط مع قوله تعالى : ) يُوحَى إِلَيَّ ( بل إنه في اندفاعاته الهوجاء ينسى ) يُوحَى إِلَيَّ ( ويهملها إهمالاً ، وإنه ليس بنادر في هذا العصر العجيب أن يجرؤ بعض الجهلة فيتحدث عن سيد الخلق r فيما لا يجوز في حقه r ويقولون أنه بشر كسائر البشر وأنه يخطئ – حاشاه – ويصيب ونسيَ أولئك الجهلة قوله تعالى : ) وَمَا يَنْطِقُ عَن الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوْحَى (النجم آية3. 4وقوله تعالى : ) يُوحَى إِلَيَّ ( .وقوله r :( لست كهيئتكم أبيت عند ربي ) .ويتجرأ بعض الجهلة ويقولون لا تعظموه ولا تعطوه فوق حقه وينسى أولئك الجهلة أن الله عز وجل هو الذي عظَّمه وشرفه وأمرنا بذلك فقال تعالى : لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ( النور آية 63 وقال تعالى: ) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ( الفتح آية 9 وأن الله تعالى مدح قومًا تأدبوا معه r فقال : ) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيم ( الحجرات آية 3 وذم قومًا أساءوا الأدب معه r فقال : ) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُون( الحجرات آية 4 وقال أيضًا : ) والَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( التوبة آية 61وحذر قومًا من مخالفته r فقال: ) فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( النور آية 63 و بلغ من كرامته r عند ربه أن جعل طاعتَهُ طاعةً له فقال : ) مَن يُّطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ( النساء آية 80 وربط الله محبته عز وجل باتباع النبي r فقال : )قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ( آل عمران آية 31 ويرشدنا الخالق سبحانه وتعالى إلى بعض صفات رسولنا الكريم r من رأفة وشفقة ورحمة وحرص شديد علينا فيقول : ) لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيم ( التوبة آية 128 وما أعظم ما تميزت به الذات المحمدية الطاهرة من خصائص عظيمة ومحاسن كريمة جلت عن الحصر . منزه عن شريك في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسم
والمؤمن حقًا عندما يقرأ القرآن الكريم يتدبر هذه المعاني التي توضح لنا مقام سيدنا محمد r عند الله تعالى ، وأن منزلته تفوق كل منزلة وأنه أعلى الناس قدرًا وهو إمام الأنبياء والمرسلين وسيد الأولين والآخرين ، فأي بشر فيه هذه المزايا والخصائص الربانية غير رسول الله r فهو بشر لا كالبشر وهو أعظم مخلوق عرفته البشرية . روحي الفداء لمن أخلاقه شهدت بأنه خير مولود من البشر
رحمتهr :قال تعالى في حقه r : ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحمَةً لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء آية 107
قال ابن عباس t في معنى هذه الآية : رحمة للبر والفاجر لأن كل نبي كان إذا كُذب أهلك الله من كذبه وسيدنا محمد r أخر من كذبه إلى الموت أو إلى القيامة وأما من صدقه فله الرحمة في الدنيا والآخرة .وقال r : ( إنما أنا رحمة مهداه ) رواه البيهقي والحاكم فقد زين الله تعالى سيدنا محمد r بزينة الرحمة فكان وجوده رحمة وجميع شمائله رحمة وصفاته رحمة وأقواله وأفعاله رحمة فمن أصابه شيء من رحمته r فهو الناجي في الدارين من كل مكروه ، والأنبياء عليهم السلام خلقوا من الرحمة وسيدنا محمد r هو عين الرحمة ومن كان رحمة للعالمين لزم أن يكون أفضل من كل العالمين . رحـــمة كله وحزم وعـــــــــــزم ووقار وعصمة وحيـــــــــاء
وسع العالمين علمًا وحلمًـــــــا فهو بحر لا تعيه الأعباء
صل يا ربنا وسلم على من هو للخلق رحــمة وشفــاء
محبته r :فيجب على كل مؤمن أن لا يختار حبيبًا غير سيدنا محمد r بل يقدمه على النفس والآباء والأبناء ، إذ لا يتم الإيمان إلا بمحبته r لأنها عين محبة الله تعالى ، فلا حياة للقلوب إلا بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله r ولا عيش إلا عيش المحبين الذين قرت أعينهم بحبيبهم وسكنت نفوسهم إليه واطمأنت قلوبهم به واستأنسوا بقربه وتنعموا بمحبته ، ففي القلب طاقة لا يسدها إلا محبة الله ورسوله r ومن لم يظفر بذلك فحياته كلها هموم وغموم وآلام وحسرات قال تعالى : ) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ ( التوبة آية 24 فكفى بهذا حظًا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبته r ووجوب فرضها واستحقاقه لها r .قال r : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) رواه البخاريقال r : ( ما اختلط حبي بقلب أحد فأحبني إلا حرم الله جسده على النار ) رواه أبو نعيم ورمز السيوطي لصحته قال العارف بالله الحارث المحاسبي t :المحبة ميلك إلى الشيء بكليتك ثم إيثارك له على نفسك وروحك ومالك ثم موافقتك له سرًا وجهرًا ثم علمك بتقصيرك في محبته . أرى كل مدح للنبي مقصـرا وإن بالغ المثني عليـه وأكثــرا
إذا الله أثنى بالذي هـو أهله عليه فما مقدار مـــا تمدح الورى
فسيرة سيدنا محمد e خير سيرة وعترته خير عترة وشجرته خير شجرة نبتت في حرم وبسقت في كرم واستوت في عظم فهو جملة الجمال وكل الكمال فضائله أكثر من أن تحصى ومناقبه لا تستقصى . فبالغ و أكثر لن تحيط بوصفه فأين الثريا من يد المتناول
وصلى الله على سيدنا محمد قبلة أرواح المحبين و آله وصحبه وسلم
%%%